سؤال عن قوله تعالى: ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون )



س66: كيف نفهم قوله تعالى:] ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون [ .. ثم كيف يعودون إلى ما كانوا عليه من كفر وعصيان وقد رأوا ما رأوا من الآيات الباهرات الرادعات ..؟!
          الجواب: الحمد لله رب العالمين. المراد من قوله تعالى:] ولو ردوا [؛ أي ردوا من معاينة يوم الحساب يوم القيامة إلى الحياة الدنيا ثانية .. ] لعادوا لما نهوا عنه [؛ أي  إلى الكفر والعصيان والمخالفة، وذلك لسببين:
          أولهما: لما فُطر عليه الإنسان من النسيان .. فيعود إلى سيرته الأولى وكأنه لم ير شيئاً .. ولم يحصل له شيء !

          ثانياً: لعلم الله تعالى المسبق بسوء باطنهم، وكفرهم المركب، وكبرهم وعنادهم الذي سيصدهم ثانية عن الحق رغم ما رأوا من العذاب والآيات الباهرات ..!
          وهذا ليس غريباً على الكفار المجرمين المعاندين .. لأن الكفر والكبر والعناد من شأنه أن يصد صاحبه عن متابعة الحق رغم علمه بأنه حق .. كما حصل لإبليس بعد أن عاين الآيات .. وكذلك اليهود لما كفروا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبدعوته مع علمهم أنه نبي بحق، وأن ما جاء به من عند ربه هو الحق .. وما صدهم عن المتابعة إلا الكبر والعناد والحقد !!
          وما استغربته يحصل مثله وشبيها به في الحياة الدنيا .. ثم نرى نماذج الكفر والنفاق تنبت من جديد بعد أن يروا العذاب .. وكأنهم لم يروا شيئاً !
          ها هم الناس بعد نوح عليه السلام بقليل .. وبعد أن أهلك الله الأرض ومن عليها إلا نوحاً ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل .. نجد أن الناس يعودون من جديد إلى الكفر والشرك وعبادة الأصنام .. وكأنه لم يكن شيء !!
          كم هؤلاء الذين يستغيثون بالله تعالى في لحظات الكرب القاتل والشدة المخيفة بأن يكشف عنهم كربهم، ويتعاهدون على التوبة النصوح .. ثم ما إن يكشف الله تعالى عنهم كربهم، ويفرج عنهم .. ويعودون ثانية إلى الراحة والرخاء، والدعة .. إلا وتجدهم يعودون ثانية إلى سيرتهم الأولى من الكفر والفجور، كما قال تعالى عنهم:] لئن أنجانا من هذه [ أي هذه المصيبة فقط ] لنكونن من الشاكرين . قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون [ أي تعودون ثانية إلى الشرك بعد أن أعطيتم العهد والميثاق على التوبة منه ..!
          وكقوله تعالى عنهم:] فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون [ وقال تعالى:] فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسّه [ لذا فهم عندما يطلبون النجاة والعودة إلى  الحياة السالمة من جديد ليس رغبة منهم في التوبة الصادقة ليستأنفوا حياتهم الإسلامية من جديد، وإنما رغبة منهم في الخلاص من العذاب وحسب .. لذلك قال تعالى عنهم في سورة الأنعام] وإنهم لكاذبون [!!
          وهؤلاء لا ينفع معهم شيء؛ لا إن أُخذوا بالشدة والعذاب عادوا بحق إلى دينهم ورشدهم .. ولا إن أخذوا بالرخاء والإنعام عليهم عادوا بحق إلى دينهم ورشدهم، كما قال تعالى عنهم:] ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون . ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون [. كفر مركب، وعناد للحق مغلظ .. يعمي البصر والبصيرة !