س779: ما حكم طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة
رسوله .. ولقد قرأت للشيخ العثيمين رحمه الله هذه الفتوى فما تعليقكم عليها؟
سئل فضيلة الشيخ عن حكم طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله؟
فأجاب
بقوله:" الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله تجب طاعته في غير معصية
الله ورسوله، ولا تجب محاربته من أجل ذلك، بل ولا تجوز إلا أن يصل إلى حد الكفر
فحينئذ تجب منابذته، وليس له طاعة على المسلمين. والحكم بغير ما في كتاب الله وسنة
رسوله يصل إلى الكفر بشرطين:
الأول:
أن يكون عالماً بحكم الله ورسوله، فإن كان جاهلاً به لم يكفر بمخالفته.
الثاني:
أن يكون الحامل له على الحكم بغير ما أنزل الله اعتقاد أنه حكم غير صالح للوقت وأن
غيره أصلح منه، وأنفع للعباد، وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً
مخرجاً عن الملة لقوله تعالى: ) ومن لم يحكم
بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون ( ، وتبطل ولاية الحاكم،
ولا يكون له طاعة على الناس، وتجب محاربته، وإبعاده عن الحكم. انتهى ( مجموع فتاوى
ورسائل المجلد الثاني، الكفر والتكفير رقم 229 ).
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذه الفتوى بصورتها
المذكورة خطأ من أوجه:
منها:
افتراضه أن من لم يحكم بكتاب الله وسنة رسوله بأنه مسلم تجب طاعته في غير معصية
الله .. يُفهم منه أن من لم يحكم بالكتاب والسنة مطلقاً .. ومن كان كذلك لا يجوز
افتراض إسلامه، وهو في دين الله حكمه الكفر والخروج من الإسلام؛ إذ يستحيل أن لا
يلتزم الحاكم بأحكام الإسلام مطلقاً .. وينتفي عن حكمه ـ في جميع مجالاة الحياة ـ مطلق
المتابعة الظاهرة للكتاب والسنة ثم يكون مع ذلك مسلماً، كما قال تعالى:) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (آل عمران:31. فانتفاء مطلق المتابعة .. ومطلق الحكم بما
أنزل الله .. دليل على انتفاء مطلق المحبة لله ولرسوله .. ومن ينتفي عنه مطلق
المحبة لله ولرسوله لا شك في كفره.
وكذلك
قوله تعالى:) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (النور:63. ) أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
( أي كفر وشرك .. وهذا فيمن
يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمر .. فكيف بالذي يُخالفه صلى الله
عليه وسلم في كل أمر .. ولا يحكم بشيء مما أمر به؟!
لذا لو
قال الشيخ: الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة
رسوله في بعض
المسائل .. لكان أصوب وأدق في التعبير .. ولكان الكلام مستساغاً.
ومنها:
قوله " أن يكون عالماً بحكم الله ورسوله، فإن
كان جاهلاً به لم يكفر بمخالفته "!
أقول:
هذا إذا كان ممن يُعذرون بالجهل .. وكان جهله عن عجز لا يمكن دفعه .. أما إن كان
قادراً على تحصيل العلم فيما قد جهل به ثم هو لا يفعل لسببٍ أو آخر فإنه لا يُعذر
بالجهل .. كما لا يجوز إقحام مسألة العذر بالجهل في مثل هذه المواضع .. وهذا كان
ينبغي للشيخ أن يُشير إليه!
ثم إن
من أدب الجاهل أن يطلب العلم لا أن يستشرف مواطن الحكم والقضاء والفصل بين الناس
.. فجاهل الشيء كفاقده لا يمكن أن يُعطيه للآخرين .. فإن أبى إلا أن يستشرف مواطن
الحكم والقضاء بين الناس .. فإنه لا يُعذر .. وهو من أهل النار، كما في
الحديث:" القضاة ثلاثة: منهم ورجل قضى للناس على جهلٍ فهو في النار ".
فجهله لم يعذره ولم يكن مانعاً من أن يكون من أهل النار. وقال صلى الله عليه وسلم:"
من جُعل قاضياً بين الناس، فقد ذُبح بغير سكين ". هذا في القاضي العالم فكيف
بالقاضي الجاهل .. فإنه يذبح نفسه وغيره .. ويبوء بإثمه وإثم غيره؟!
ومنها: قوله " والحكم بغير ما في كتاب الله وسنة رسوله يصل إلى الكفر
بشرطين .. " مفاده حصر كفر الحاكم بهذين الشرطين وهذا خطأ؛ فهل الحاكم الذي
لا يحكم بما أنزل الله كرهاً .. أو إعراضاًً .. أو استخفافاً .. أو جحوداً
واستحلالاً .. لا يكون كافراً؟!
ثم هذا الحاكم الذي يكون
الحامل له على الحكم بغير ما أنزل الله اعتقاد أن حكم الله غير صالح للوقت وأن
غيره أصلح منه، وأنفع للعباد .. يكون كافراً كما يقول الشيخ .. نقول: فإذا عدل
الحاكم عن الحكم بما أنزل الله لا على اعتبار أن الحكم بغير ما أنزل الله أصلح
وأنفع للعباد وإنما على اعتبار أنه مساوٍ لحكم الله تعالى في النفع والصلاح .. ألا
يكون هذا كذلك كافراً .. ويكون ممن يسوي بين الخالق والمخلوق؟!!
ثم في كلام الشيخ المتقدم
وتقييده لكفر الحاكم بهذين الشرطين معارضة لكلام الشيخ محمد ابن إبراهيم آل الشيخ
رحمه الله في رسالته " تحكيم القوانين " الذي بين فيها أن الحاكم الذي
لا يحكم بما أنزل الله يكفر من ستة أوجه كما هو مبين في رسالته .. راجعها إن شئت.