س849: شيخنا الفاضل .. لا يزال الخلاف محتداً بين الإخوان حول كفر
صدام حسين .. وهل حكم الكفر لا يزال مسحوباً عليه رغم الحال الذي آل إليه، بحجة
أننا لم نسمع منه توبة صريحة عن كفره السابق .. نرجو منكم البيان والتوضيح ..
وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. أعلم أن
الحديث عن الرجل ذو حساسية معينة .. وأعلم شدة الخلاف عليه .. ومع ذلك أعود فأقول:
كنت في فتوى سابقة برقم " 806 " قد
طلبت من الإخوان أن يتجاوزوا عن هذه الجزئية لغموضها .. ولورود الاحتمالات العديدة
حولها .. بحكم ما استجد على الرجل من مواقف وما آل إليه من مآل .. مع بقاء قولنا الثابت بكفر البعث، وكفر من يعتقد به، وكفر من
يحكم به.
الرجل
كان منذ أشهر مطارداً من قبل قوى الكفر الغازية .. وهاهو اليوم مكبل بين أيديهم .. لا نعرف عنه إلا الشيء اليسير جداً
وبالقدر الذي يسمح به العدو الكافر أن يُظهره أو ينشره عنه!
قالوا: ولكن لم نسمع قولاً صريحاً يفيد
تراجعه وتوبته عن حزب البعث ..؟!
أقول: وهل كان يُنشَر كل ما كان يقوله
الرجل في أشرطته المسجلة أو رسائله المخطوطة .. حتى نحكم عليه بهذا أو ذاك؛ كان
الرجل يسجل شريطاً من ساعة أو ساعتين، ووكالات الإعلام تنشر من كلامه قدر دقيقة أو
دقيقتين .. بحسب ما يُملى عليها من قِبل الغزاة الأمريكان!
وهاهو
اليوم .. تُنقل إلينا كلماته من خلال وسائل إعلام الكافر الغازي بالقطَّارة وبصورة
منتقاة جداً .. فكيف والحال بهذه الصورة نستطيع أن نحكم بأن الرجل لم يتراجع عن
شيء من كفره السابق؟!
أقول
ذلك مع الاعتراف بأن صدام حسين ـ لسبب أو آخر ـ قد صفَّى كثيراً من قيادات حزب
البعث .. وقد حاول قتال البعث السوري النصيري عن طريق الجماعات الإسلامية
والجهادية المعارضة في سوريا من خلال دعمها .. وحمايتها .. وتوفير جميع مستلزماتها
وحاجياتها من على أرضه في العراق .. ولا يُنكر ذلك إلا جاحد .. مما يجعلنا نضع
إشارات استفهام عديدة على مدى بعثية الرجل .. وهذا ـ للتاريخ والإنصاف ـ لا بد من
أن يُذكر للرجل عند تقييمه والحكم عليه؛ فليس من العدل أن نحرص على ذكر ما عليه ..
ونغض الطرف عن ذكر ما له، كما قال تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة:8.
كثير من الإخوان الذين خاضوا في الرجل:
رأيناهم لا يحسنون التمييز بين ما كان عليه صدام حسين وبين ما آل إليه، لذا فهم لا
يزالون يُصدرون به الأحكام وكأنه لا يزال ذاك الحاكم المتسلط الذي يحكم بالبعث
والكفر .. وهو في حقيقته قد أصبح فرداً ضعيفاً مطارداً ومكبلاً .. أسيراً كسيراً
.. شأنه شأن أي فرد مستضعف مطارد من أفراد الأمة ..!!
لذا نعود فنقول: هونوا عليكم .. لعل
الرجل ظهر منه ـ في هذه المرحلة من الشدة التي يمر بها ـ شيء يدل على توبته
وتراجعه عما كان عليه من كفر .. الله تعالى يعلمه ونحن لا نعلمه .. هذا إضافة
للقرائن العديدة التي ظهرت عن الرجل في أواخر عهده وأيامه والتي تستدعي تحسين الظن
والتوقف .. قد أشرنا إليها في الفتوى السابقة المشار إليها آنفاً .. وبخاصة أن
قواعد الشريعة ونصوصها تلزم بمراعاة الخاتمة .. وتدل على أن العبرة بالخواتيم،
وبما يُختم به على المرء، كما في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:" قال لي جبريل لو رأيتني وأنا آخذُ من حال البحر ـ
أي من وحله وترابه ـ فأدسه في فَمِ فرعون مخافة أن تُدركه الرحمة".
فإذا
كان فرعون موسى وهو هو في الكفر والطغيان والظلم والجحود .. خشي جبريل عليه الصلاة
والسلام أن ينطق بشهادة التوحيد قبل موته بلحظات فتدركه الرحمة .. فما بال هذا
الرجل ـ المختلف عليه ـ يحرص البعض على أن لا تُدركه الرحمة مطلقاً .. وكأن الأمر
بيدهم .. وقد أظهر ما لم يُظهره فرعون قبل موته أو حاول أن يُظهره ولم يُفلح!
أذكركم بقصة الرجل ـ كما في صحيح
البخاري ـ الذي قتل تسعاً وتسعين إنساناً بغير حق، وقد أكملهم على المائة براهب
أفتاه بأنه لا توبة له .. ثم كيف غُفر له بعد ذلك بخطوات خطاها نحو القرية الصالح
أهلها!!
وهذا
كله لا يمنع من أخذ الدروس والعبر والعظة مما حصل للرجل .. من قبيل الاتعاظ
والاعتبار .. لا الفرح والشماتة .. كما أشرنا في مقالنا:" الجزاء من جنس العمل .. وصدام حسين ".
وعليه وحتى لا نخوض فيما لا علم لنا به أعيد طلبي ثانية، فأقول:
ينبغي على الإخوان أن يُمسكوا عن الخوض في هذه الجزئية ـ الغير مهمة الآن ـ إلى أن
يظهر دليل صريح محكم، ويلتفتوا إلى ما هو أهم وأعظم منها في هذه المرحلة العصيبة
.. وأن يحرصوا أن لا يقولوا كلاماً ـ في هذه المرحلة ـ لا يخدم إلا الكفرة الغزاة،
والمنافقين المرجفين.
وإن
كان ولا بد من طرح الموضوع؛ يُطرح على أنه يقبل النقاش والخلاف .. والبحث .. وعلى
مبدأ رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب .. من دون أن يتقاذف
الطرفان عبارات التشكيك، والتخوين، والعمالة .. أو الكفر والتفسيق، والله تعالى
أعلم.