شبهة: الدخول الإجباري في الإسلام



س309: شيخنا الفاضل .. كنت أتحدث مع إحدى الأخوات، وقالت لي أن الآية ) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ( منسوخة .. بحثت في التفاسير ولم أجد شيئاً إلا في تفسير القرطبي وقال أن في الموضوع خلاف.
          والمهم من كلامها هو ليس إن كانت الآية منسوخة أم لا .. ولكنها تقول: بما أن الآية منسوخة فيعني ذلك أنه يجب أن يحكم شرع الله في الأرض ـ وهذا لا خلاف فيه ـ وتقول: أن على كل شخص أن يدخل في الإسلام؛ يعني تقول: أن الدخول في الإسلام إجباري!

          وعندما طلبت منها الدليل .. أتت بفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ بكفر الحاكم بغير ما أنزل الله .. فأخبرتها أن هذا الأمر لا خلاف فيه .. فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر مرتد .. وقلت لها: المفروض أن نقاتل ليكون الدين كله لله .. دون شك .. ولكن لا نستطيع أن نجبر أحد على الدخول في الإسلام .. فلا إكراه في الدين .. علينا أن نتبرأ من الشرك وملته .. وأن ندعو للإسلام .. وإن اختاروا البقاء على ملتهم فعليهم دفع الجزية عن يد وهم صاغرون .. فقالت: لا أدري هكذا علمنا شيخي ..!
          فسألتها: إن كانت تتبع الدليل أم الشيخ .. الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجبر أحداً على الدخول في الإسلام، وأكبر مثال عند فتحه لمكة ..؟
          فقالت لي: إذن ما معنى هذا الحديث .. " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله " ؟
          فقلت لها: سأسأل في الموضوع .. وفعلاً شيخنا أحسستها تريد أن تعرف الحق وليس من باب الجدال فقط .. فما هو الرد بارك الله فيكم ؟ 
          ورغم أني أعلم أن الشيخ أبا بصير لا يحتاج للتذكير إلا أنني أذكره ونفسي بالاجتهاد في الدعاء لإخواننا في أفغانستان، وفي فلسطين، والشيشان، والفلبين وفي كل مكان .. فلعل الله يستجيب دعاءكم ويعجل بالنصر ..!
          الجواب: الحمد لله رب العالمين. أجيب على هذا السؤال في النقاط التالية:
          1- بالنسبة للآية الكريمة ) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ( فمن دلالاتها التي توحي إليها: التمايز، والمفاصلة، والبراءة من كل دين غير دين الإسلام .. وهذا المعنى حق وباقٍ، وهو من لوازم وصحة التوحيد .. لا يجوز أن يكون منسوخاً .. وبالتالي فالآية تخرج عن كونها دليلاً في المسألة المطروحة .. ولا حاجة للحديث عن كونها منسوخة أم لا ..!
          2- دلت النصوص الشرعية .. وإجماع علماء الأمة على أن مشركي أهل الكتاب، وكذلك المجوس .. تُقبل منهم الجزية .. ولا يجوز أن يُكرهوا على ترك دينهم .. قال تعالى:) قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة:29.
          وقال تعالى:) لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي (البقرة:256.
          3- القول بأن على الآخرين أن يدخلوا الإسلام وجبراً عنهم .. لم يقل به أحد من أهل العلم .. لا ممن سلف ولا ممن خلف .. وهو يتضمن إلغاء مئات الأحاديث ذات العلاقة بأهل الذمة وكيفية التعامل معهم .. وكذلك إلغاء عشرات بل ومئات كتب الفقه التي تتكلم عن أهل الذمة .. ما لهم وما عليهم .. فلو كان على الآخرين أن يدخلوا في الإسلام بالقوة، ولا خيار لهم غير ذلك .. فما قيمة ومبرر وجود تلك الأحاديث والنصوص .. وتلك الكتب والمراجع التي خطها علماء الأمة؟!
          4- عبر تاريخ دولة الإسلام من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر عهد الدولة العثمانية كان يوجد أهل ذمة من اليهود والنصارى وغيرهم .. في دولة الإسلام .. ولم يُعرف أن أحداً أجبرهم على ترك دينهم، والدخول في الإسلام ..!
          5- فإن قيل كيف التوفيق بين ذلك وبين قوله صلى الله عليه وسلم:" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله … " ؟!
          أقول: قوله صلى الله عليه وسلم:" أُمرت أن أقاتل الناس .." عام خُصص منه أهل الجزية، والعهد، والأمان .. فيكون الحكم والتوفيق كالتالي: أمرت أن أقاتل الناس على كذا وكذا .. إلا من أعطى الجزية من أهل الذمة، أو كان في عهد، وأمان مع المسلمين .. فهؤلاء نراعي عهدهم وذمتهم فلا نقاتلهم.
          6- خيار الجزية يسقط في عهد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام .. فلا يقبل من الناس يومئذٍ إلا الإسلام أو السيف، كما في الحديث الصحيح:" ليس بيني وبينه نبي ـ يعني عيسى عليه الصلاة والسلام ـ وإنه نازل .. فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويُهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ..". فلو كانت الجزية موضوعة قبله عليه الصلاة والسلام لما خص بوضعها في زمانه.
          أما بالنسبة لقولك:" أن الشيخ أبا بصير لا يحتاج للتذكير ..!" فما أدراك ـ يا أختاه ـ أنني لا أحتاج للتذكير  .. لا والله .. فإنني أحتاج للتذكير .. ثم أحتاج للتذكير .. ثم أحتاج للتذكير .. وفي كل ساعة ودقيقة .. وجزى الله كل من يذكرني خير الجزاء .. ومثلي لا يُستنصر به المجاهدون .. ومثلي لا يُستنصر به المجاهدون .. ومثلي لا يُستنصر به المجاهدون .. أسأل الله تعالى أن يرحمنا، ويعفو عنا، و يُحسن خاتمتنا .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!