إلا أن تروا منهم كفرا بواحا ... وكلام للإمام النووي



س55: كيف نقول لمن يستدل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى " تروا منهم كفراً بواحاً " على أنه لا يجوز تكفير هؤلاء الحكام ما لم يظهروا كفراً بواحاً أو ينطقوا به .. وما صحة تفسير النووي للكفر هنا بالمعصية ؟
          الجواب: الحمد لله رب العالمين . قوله بأنه لا يكفرهم حتى يُظهروا الكفر البواح أو ينطقوا به .. هو قول صحيح لا حرج فيه .. ولكن لنا أن نسأله ومن كان على رأيه وقوله: ألم تروا بعد من هؤلاء الحكام الظالمين الجاثمين بالحديد والنار على صدر ومقدرات الأمة الكفر البواح، ولم تسمعوه منهم ..؟!!
          فإن قالوا: نعم .. فلا يلومونا لو قلنا لهم، أنتم واحد من اثنين: إما أنكم تعيشون في كوكب آخر غير كوكب الأرض لا تعرفون شيئاً عن حقيقة واقعكم وما يحصل للأمة من نكبات ومآسٍ جراء حكم هؤلاء المجرمين المتسلطين عملاء اليهود والنصارى ..!!
          أو أنكم تعرفون واقعكم وتعرفون حقيقة هؤلاء المجرمين لكنكم لا تعرفون دينكم .. ولا تعرفون متى يكون المرء مؤمناً ومتى يكون كافراً .. وكلاهما مصيبة كبيرة بحقكم !
          ثم أنكم بذلك تكونون قد تصدرتم مجالس الحكم والإفتاء والخوض في المسائل الكبار وأنتم تفقدون مقومات الفتوى الصحيحة: وهي فقه واقع المسألة .. وفقه دليلها الشرعي من الكتاب والسنة المطابق لها !!
          ومن كان كذلك لا يحق له أن يفتي ولا أن يحكم على الأشياء .. فضلاً عن أن يُزاحم الآخرين بجهالاته، ويطالبهم بالنزول عند قوله ورأيه !!
          أما سؤالكم ـ يا أخي ـ عن مدى صحة تفسير النووي رحمه الله للكفر الوارد في الحديث بالمعصية
فأفيد بما يلي:
أولاً: تأويل الكفر الوارد في الحديث بالمعاصي كما نُقل عن النووي رحمه الله .. هو قول بعيد عن الصواب؛ لأن لفظ " الكفر البواح " لا يمكن أن يُحمل على المعصية التي هي دون الكفر ..!
          إضافة إلى ذلك فإن أدلة الشريعة قد أكدت في أكثر من نص على حرمة الخروج على الحاكم ومنازعته على الولاية والحكم لمجرد وقوعه في معصية لا ترقى إلى درجة الكفر البواح ..
          ثانياً: إذا حُمل الكفر على المعصية .. فإن المنازعة الواردة في الحديث ينبغي أن تُحمل على مجرد أمر الحاكم بالمعروف، ونهيه عن المنكر .. بالحكمة والموعظة الحسنة، بحيث لا ترقى هذه المنازعة إلى درجة الخروج عليه وعلى ولايته بالقوة، وهذا معنى أشار إليه النووي ولعله هو المقصود من كلامه، حيث قال: ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم، إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق .. ا- هـ .
          فهو لما أول الكفر إلى المعصية التي هي دون الكفر لزمه أن يؤول المنازعة إلى مجرد أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .. لأن الحاكم الذي يقع في الكفر البواح المخرج عن الملة لا يختلف اثنان من ذوي العلم في وجوب الخروج عليه وعلى ولايته بالقوة ! 
          فها هو نفسه رحمه الله ينقل الإجماع على ذلك، فقال: قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وقال: وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها .. ا- هـ .
          ثم أن قول النووي رحمه الله الآنف الذكر  في التعامل مع الحاكم الفاسق أو العاصي هو قول  صحيح قد دلت عليه عشرات النصوص .. وهي كانت تغنيه عن اللجوء إلى تأويل الحديث أعلاه عن ظاهره ودلالته، وتفسير الكفر البواح بالمعصية .. والمنازعة بالمناصحة !!