عقد الصلح مع الطائفة المرتدة

س31: هل عقد الصلح مع المرتدين ـ بالنسبة للجماعة الموحدة المجاهدة ـ يخضع لظروف القوة والاستضعاف  .. أم أن عقود الصلح كلها غير جائزة مع المرتدين .. وإذا ما أوشكت الجماعة الموحدة ـ لا قدر الله ذلك ـ على الهلاك بفعل الحرب مع حزب علماني مرتد، فهل يجوز لها عقد الصلح أو على الأقل إيقاف الحرب، علماً أن الصلح لا يتضمن تناقضات عقدية مثل دخول البرلمان أو غيره .. وهل الاستعانة بحزب علماني مرتد آخر عدو للحزب الأول جائزة أم لا .. إذا كانت الاستعانة بدون شروط أو تنازلات عقدية ؟؟

          الجواب: الحمد لله رب العالمين. المسألة فيها خلاف .. والذي يرجح لي أن الجماعة المجاهدة إذا خشيت على نفسها الهلاك والاستئصال المحقق من قبل الطائفة المرتدة ـ للتفاوت الكبير في القوى ـ لها أن توقف الحرب والقتال مع تلك الطائفة لمدة مؤقتة .. فإن كان ذلك لا يتوقف إلا بعد صلح أو اتفاق مع تلك الطائفة المرتدة جاز لهم عقد ذلك الصلح إلى حين توفر القدرة على استئناف مجاهدة تلك الطائفة المرتدة من جديد .. وذلك لاعتبارين: أن التكاليف الشرعية كلها ـ بما في ذلك مجاهدة وقتال المرتدين الممتنعين بالقوة والشوكة ـ يُشترط لها القدرة .. فإذا انتفت القدرة وتحقق العجز رُفع التكليف إلى حين تحقق القدرة أو الاستطاعة، لقوله تعالى:) لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها( ولقوله تعالى: )فاتقوا الله ما استطعتم( .
          قال ابن كثير في التفسير: أي لا يُكلَّف أحد فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم ا-هـ .
          وفي الحديث فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم " .
          قال الشافعي رحمه الله: فإن الله تعالى يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه فيثيبه، وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه فيعذبه، فغنما يعذبه لأنه لا يفعل مع القدرة، وقد علم الله ذلك منه، ومن لا يستطيع لا يأمره ولا يُعذبه على ما لم يستطعه ا-هـ . وهذا يشمل جميع التكاليف الشرعية من دون استثناء بما في ذلك الجهاد ..
          قال ابن تيمية رحمه الله: يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ا-هـ . فدل أن العجز يُسقط الجهاد وغيره من التكاليف إلى حين تحقق القدرة والاستطاعة .. والله تعالى أعلم .
          هذا وجه .. ومن وجه آخر فقد ثبت مبدأ الصلح مع الكفرة المرتدين كما في الأثر الذي أخرجه البخاري وغيره عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بُزاخةَ من أسَدٍ وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح، فخيرهم بين الحرب المجلية، والسلم المخزية .. الخ .
          قال الشوكاني في نيل الأوطار: وقد استدل بالأثر المذكور على أنه يجوز مصالحة الكفار المرتدين على أخذ أسلحتهم وخيلهم، ورد ما أصابوه من المسلمين .. ا-هـ .
          فإن قيل هذا صلح كان فيه المسلمون هم الأقوى مما مكنهم أن يشترطوا شروطهم للصلح والتي مفادها تجريد المرتدين من السلاح، وإذلالهم ..؟!
          أقول: الذي يهمنا من الأثر .. ومن كلام الشوكاني إثبات مبدأ الصلح مع المرتدين .. وليس كما يظن البعض أن مبدأ الصلح لا يجوز اللجوء إليه مع المرتدين مهما كانت أسبابه ودواعيه .. أو كانت نتائجه !!
          ثم إذا جاز الصلح مع المرتدين والمسلمون هم الأقوياء على النحو الثابت عن أبي بكر الصديق t ومن معه من الصحابة .. فإنه من باب أولى أن يُشرع للطائفة المجاهدة ـ في مرحلة الاستضعاف ـ لضرورة دفع الاستئصال والهلكة عن نفسها .. والله تعالى اعلم.
          أما سؤالكم عن جواز الاستعانة بحزب علماني مرتد .. ؟
أقول: إن كان يُراد بهذه الاستعانة الاستعانة بسلاحهم ونحو ذلك .. أرجو أن لا يكون في ذلك حرج إن شاء الله، أما إن كان يُراد به الاستعانة بهم وبجنودهم في القتال أو مشاركتهم في ذلك .. فإن هذا النوع من الاستعانة والمشاركة لا تجوز لقوله -صلى الله عليه وسلم-:" لا أستعين بمشرك على مشرك " .. ولأن الأصل في المرتد أن دمه هدر .. والله تعالى أعلم .