تكفير المعين



س1179: كما تعلمون أن مظاهرة المشركين الكافرين ومعاونتهم على المسلمين ردة وكفر مجمع عليه، والسؤال: هل هناك أعذار تمنع من إسقاط هذا الحكم على الأعيان غير الإكراه )  إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً (آل عمران:28. أقصد أعذار التأويل والجهل مثلاً .. وهل يُتصور أن يُعذر أحد بجهله في هذا الباب .. وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. نعم يمكن للمرء أن يقع في نوع موالاة للكفار والمشركين، ثم يكون معذوراً بالجهل أو التأويل؛ وذلك عندما يكون الكافر الموالى كفره متشابهاً مختلفاً على كفره بين المسلمين، تتنازعه أقوال أهل العلم بين التكفير وعدمه، أو غير معلوم لعامة الناس أو لم يظهر عليه ما يدل على كفره لجميع الناس .. فحينئذٍ قد يقع المسلم في موالاته جهلاً بحال هذا الكافر، ويكون جهله معتبراً وعذراً يقيل عثرته، كما حصل لبعض الصحابة فكان منهم من يُسلم على بعض النصارى بتحية الإسلام وهو لا يدري أنه نصراني، كما في الأثر عن عُقبة بن عامر الجُهني رضي الله عنه أنه مرَّ برجلٍ هيئته هيأة مسلم، فسلَّمَ فردَّ عليه: وعليك ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال:" إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثرَ مالك وولدَك.[ صحيح الأدب المفرد: 847 ].
وكذلك عندما مر ابن عمر رضي الله عنه بنصراني فسلَّم عليه، فردَّ عليه، فأُخبِرَ أنه نصراني، فلما علم رجع فقال:" ردَّ عليَّ سلامي ".[ صحيح الأدب المفرد: 849 ].
فالشاهد أن مثل هذا النوع من الجهل قد يقع .. ونحوه التأويل؛ فقد يقع المرء في نوع موالاة للمشركين ظناً منه أن فعله لا يدخل في الموالاة أو لا يدخل في الموالاة الكبرى المكفرة فيتهاون بفعله .. كما حصل للصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه .. عندما أظهر نوع موالاة لمشركي قريش ظناً منه أن فعله لا يدخل في الموالاة الكبرى التي تكفر صاحبها وتخرجه من الملة .. وقد أقال النبي صلى الله عليه وسلم عثرته لذلك .. وقد تذكَّر له بدراً، وأنه من أهل بدر .. وما أدراك ما أهل بدر .. فاجتمع له التأويل مع حسنة بدر، مع صدق لهجته، مع وجود شبهة إكراه أو تقية ـ تكمن في رغبته في أن يدفع أذى كفار قريش عن أهل بيته المقيمين في مكة ـ فكان ذلك كله بعضه مع بعض سبباً في إقالة عثرته.
ومثاله في زماننا أن يقوم المسلم بكثير من الأعمال المادية المدنية التي قد تدخل في الدعم اللوجستي غير المباشر للعدو .. كسائق شاحنة ينقل الأطعمة والألبسة وغير ذلك من الأعمال التي قد يستفيد منها العدو وغيره .. فلا يعتقد أن عمله يُمكن أن يُصنف أو يدخل في الموالاة الكبرى التي تُخرج صاحبه في الملة .. فمثل هذا لا أرى أن يُستعجل في تكفيره لشبهة التأويل؛ وإنما يجب أن يُعلَّم ويُفقه وتُقام عليه الحجة الشرعية أولاً قبل أن يُصدر بحقه أي حكم، والله تعالى أعلم.