نحر المشركين وذبحهم



س997: هناك من أنكر عليكم يا شيخ ما أفتيتم به ـ كما في السؤال رقم 985 ـ بعدم جواز نحر أسرى المشركين .. واستدلوا عليكم بأن خالد بن الوليد رضي الله عنه ـ كما في كتاب صلاح الأمة في علو الهمة ـ قد نذر لله أن يجعل وادياً من دماء الفرس إن مكنه من رقابهم، وبعد أن من الله على المسلمين في هذه المعركة، نادى خالد في الجيش أن الأسر الأسر .. وأمر خالد بإيقاف النهر وأخذ ينحر الكفار الواحد تلو الآخر .. إلى آخر القصة.
وكذلك حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة بأن يُذبح كل المقاتلين، وتُسبى النساء والأطفال .. وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حكم سعد.
والسؤال: أليس في هذه الأدلة دليل على خطأ ما ذهبتم إليه .. نرجو الإجابة للأهمية وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. فقد راجعت سيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه كما في كتاب " سيَر أعلام النبلاء " للذهبي .. أملاً في أن أقف على هذه القصة الواردة في السؤال إلا أنني لم أظفر بها، ولم أجدها!
فقمت بمراجعة الكتاب المذكور النافع " صلاح الأمة في علو الهمة " فوجدت الكاتب ـ جزاه الله خيراً ـ قد ذكر القصة من دون سند، ولا تخريج، ولا ذكر للمصدر ..!
ولفظ الرواية كما في الكتاب المذكور 3/560، كالتالي:" ونادى منادي خالد حتى يفي بنذره: الأسر، الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع، فأقبلت خيول المسلمين بهم أفواجاً مستأسرين يُساقون سوق الأنعام، فجمعهم خالد وقد حبس الماء عن النهر، فوكَّل بهم رجالاً يضربون أعناقهم في النهر يوماً وليلة، على رجاء أن يسيل النهر بدمائهم، وهنا قال القعقاع وغيره لخالد: لو أنك قتلت أهل الأرض، لم تُجر دماءهم، ولكن أرسل على الدماء الماء فيجري النهر دماً لتبر بيمينك، فعمل خالد بمشورة القعقاع ... "ا- هـ. 
فالرواية ـ على افتراض صحتها ـ ليس فيها ذكر للفظ النحر أو الذبح أو الحز الذي عليه النزاع والخلاف، وإنما جاء بلفظ " يضربون أعناقهم "، والفرق بين ضرب الأعناق ـ وهو ما نجيزه ـ وبين حزها بالذبح ـ وهو ما نكرهه ولا نستحسنه ـ واضح ومعلوم .. وبالتالي ليس في القصة دليل على خلاف ما ذهبنا إليه .. هذا على افتراض صحتها!
أما قول سعد بن معاذ رضي الله عنه وحكمه في بني قريظة ليس لفظه كما ورد في السؤال " بأن يُذبح كل المقاتلين "، وإنما لفظه في جميع الروايات الصحيحة، كالتالي:" فإني أحكم فيهم أن تُقتل المقاتلة، وأن تُسبى النساء والذرية، وأن تُقسم أموالهم " البخاري.
والفرق بين لفظ " بأن يُذبح كل المقاتلين " وهو لم يرد مطلقاً .. وبين لفظ " أن تُقتل المقاتلة " وهو الثابت والوارد .. واضح وظاهر!
وأعيد هنا فأقول ما كنت قلته من قبل: ما يجوز فعله في حالات القتال من شدة وغلظة على الكافرين المجرمين، واغتيال الطواغيت من أئمة الكفر، وجز رؤوسهم، والروايات والنصوص الواردة في ذلك شيء .. وما يُقال عند تنفيذ الحدود والقصاص بشأن الأسير الكافر شيء آخر .. وبالتالي ما يجوز أو يمكن أن يُقال في ساحات القتال وأجوائها .. لا يجوز حمله على حالات تنفيذ الحدود والقصاص لمن قُدر عليهم من أصحاب تلك الحدود، بما في ذلك الأسير الكافر .. فموطن النزاع والخلاف على كيفية التعامل أو قتل الأسير الكافر، وليس سواه!
وعلى العموم فإني أعترف أن النصوص ذات العلاقة في المسألة مشكلة على ذوي الفهم والاجتهاد ـ  وهو مما جعلني أتردد زمناً في الإفتاء في المسألة ـ وأنها تحتمل الرأي الآخر .. لكنه عندي مرجوح، والراجح ما ذهبنا إليه .. هذا الذي أعتقده، ولو ظهر لي صحة ورجحان خلاف ما ذهبت إليه .. فما أسهل رجوعي وانصياعي للحق، وهذا من فضل ربي علي، ولله الحمد والمنة والفضل.