س1197: يَعيش الشباب الملتزم اليوم صراعاً فكرياً
ونفسياً ما بين القيام ببعض الطاعات والواجبات الشرعية كالخروج للجهاد في سبيل
الله ومقارعة الطواغيت وما بين متطلبات الحياة المعاصرة التي تفرض عليهم واقعاً مختلفاً عن واقع السلف
الصالح .. واهتمامات دنيوية معقدة .. ومسؤوليات نحو الأبناء وأسرهم لا فكاك
لهم منها .. قد تعيق من انطلاق المسلم لنصرة قضايا دينه .. فما تعليقك
شيخنا الكريم على هذا الكلام .. وكيف يتم التوفيق بين متطلبات العمل بالشريعة
وفرائضها وبخاصة منها الجهاد .. وبين متطلبات الحياة العصرية بتعقيداتها .. والتي
تفرض نفسها بقوة على المسلم .. وجزاك الله خيراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذا
الصراع الفكري والنفسي المشار إليه في السؤال له سببان: الأول غياب الدولة
الإسلامية ـ أو الجهة التي تنوب عنها ـ التي تكفل المجاهد .. وتسد حاجياته ..
وترعى أسرته وأطفاله من بعده .. فتزيل عنه هم القلق على الأهل والأبناء.
والثاني
سياسة طواغيت الحكم المتبعة .. والتي تنتهي بالإنسان إلى مثل هذه التعقيدات ..
والحاجيات .. والقلق .. والانفصام في التفكير والسلوك .. والإسراف .. والترف في
العيش .. والتي ـ بمجموعها ـ تعيق المسلمين ـ في كثير من الأحيان ـ من أن ينطلقوا
لنصرة قضايا دينهم بسهولة .. ومن يُحاول منهم أن يفعل .. لا يقدر إلا بشق الأنفس،
وبذل جهد مضاعف .. وهذا مطلب أساسي من مطالب أنظمة الحكم المعاصرة!
فإن قيل: فما الحل .. قد شخصتم الداء وأسبابه فما هو الدواء؟
أقول:
ألخص الدواء في النقاط التالية:
1-
جميع التكاليف الشرعية ـ بما في ذلك الجهاد في سبيل الله ـ مشروط لها القدرة
والاستطاعة .. فإن حصل العجز في مرحلة من المراحل عن القيام بأي واجب شرعي .. صُرف
الاهتمام إلى دفع هذا العجز وإزالته .. وليس وراء هذا وذاك تكليف .. وبالتالي لا
ينبغي للمسلم في أي مرحلة من المراحل التي يمر بها أن يشعر بالقلق أو الانفصام بين
الفكر والشعور والواقع .. إذا ما اتقى الله حق تُقاته .. قال تعالى:) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن:16.
وقال تعالى:) لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا (البقرة:286.
وقال تعالى:) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج:78.
وقال
تعالى:) لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى
الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ
وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (التوبة:91.
2-
في كثير من الأحيان يتزاحم أكثر من واجب على المرء وفي وقت واحد .. يصعب القيام
بمجموعها معاً وفي وقت واحد .. فحينئذٍ عليه أن يُقدر أعظم الواجبات وأوكدها عليه
.. وأكثرها إلحاحاً .. فيقدمها على دونها من الواجبات؛ والتي تحتمل التأخير
والإرجاء بعض الوقت .. وهذا فقه ـ دلت عليه نصوص الشريعة ـ ينبغي أن يُتفطن له.
3-
الإمساك عن التوسع في المباحاة .. والكماليات .. وزُخرف الحياة الدنيا .. التي قد
تُلهي صاحبها .. وتُشغله عن القيام بكثير من الواجبات الشرعية، وفي الحديث:"
يا أيها الناس
هلموا إلى ربكم؛ فإن ما قلَّ وكفى خير مما كثر وألهى ".
وقال
صلى الله عليه وسلم:" إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم
بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ".
أي حتى ترجعوا إلى جهادكم .. لا يصدنَّكم عنه شيء مما تقدم ذكره في الحديث .. فإن
أبى المرء إلا أن يتوسع ثم حصل منه التقصير فلا يلومَنَّ إلا نفسه.
4-
اعلم أن ما من شيء كبير وعظيم إلا ويستحق من طلابه والساعين لإنجازه .. السعي
والتضحية والبذل والعطاء .. وإلا فإن تطلعهم لهذا الشيء الكبير يكون من قبيل
الأماني المجردة والتواكل .. فما بالك عندما يكون هذا الشيء الكبير والعظيم .. هو
إسلامك .. هو دينك .. هو عزتك وكرامتك .. وسلامة شرفك وعِرضك .. هو حريتك .. هو أن
تحيى أمتك عزيزة كريمة حرة من هيمنة قوى الكفر والاستعمار .. والعملاء المنافقين
.. قوية يسودها عدل وأمان وحكم الإسلام ..
هو أن تُخرج العباد من عبادة العباد على عبادة رب العباد .. فإن هذه المعاني
النبيلة العظيمة لا شك أنها تستحق البذل والعطاء والتضحية ممن ينشدها ويسعى إلى
تحقيقها .. أما من ينشدها من غير بذل ولا تضحية .. ولا حراك منه .. فهو واهم ..
وغاش لنفسه .. وهو كمن يقول ولا يفعل .. وينشد الشيء وضده في آنٍ واحد!
نريد
أن ندفع هذا الذل والهوان والكفر .. والضعف .. عن أنفسنا وعن أمة الإسلام .. إذاً
لا بد من حركة نحو الهدف .. ولا بد من تضحية.
قال
تعالى:) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ
وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ
تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ
بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة:24.
5-
ضريبة العزة .. وضريبة الجهاد .. قد تكون مكلفة بعض الشيء .. شاقة بعض الشيء ..
تأباها النفوس الذليلة التي استمرأت الذل وركنت إليه .. لكن هي ضرورية لدفع ضريبة
الذل والهوان والكفر، وهي أعظم وأكبر بكثير من ضريبة العزة والجهاد .. فمن لم يدفع
ضريبة العزة .. ويأبى أن يدفعها سيدفع ضريبة الذل .. ولا بد .. وهي أضعاف أضعاف
ضريبة العزة .. وعلى العاقل أن يختار!
ما
من شيء إلا وله ضريبة .. فعلام ندفع ضريبة كل شيء .. وبنفس طيبة طائعة .. فإذا ما
طُلِب منا أن ندفع ضريبة الإسلام .. أمسكنا .. وترددنا .. وكثرت اعتراضاتنا؟!
قال
تعالى:) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن
تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ
شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (البقرة:216.
بهذا
أجيب عن السؤال الوارد أعلاه ...