التقية بالنسبة للعلماء



س267: هل تجوز التقية للعلماء .. وكنت في نقاش مع أحد شباب الإخوان فقال كتاب " دعاة لا قضاة " لا يمثل الإخوان .. ولا يعتقدون بصحته .. وهو كتب في ظروف التقية، و هو يدخل تحت حكم " وإن عادوا فعد ".
          فهل يجوز ـ شيخنا ـ حقاً أن يقول العالم بخلاف ما يعلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اتقاء الحاكم ..؟!
          إن كان حقاً يجوز فكيف يُعرف الحق .. بل كيف أثق في كلامك أو كلام غيرك من العلماء ..؟؟
          وكيف يصح كل هذا الأمر ( التقية ) من العوام أو من العلماء والقرآن واضح وضوح
الشمس ) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الحجر:94. بل كيف تتفق هذه الآية نفسها مع الحديث " فإن عادوا فعد " ؟!

          إنني لست منكراً لحدود الشرع ولكن فتح باب التقية وخاصة للعلماء سيدخلنا في دوامة لن نخرج منها مطلقاً .. وسيصبح العالم ليقول هذا حلال، ويمسي ليقول عنه حرام .. وحينما نسأله سيرد قائلاً " تقية " ..؟!
وقد وجدت في أحد كتبك  أن لك كتاب تحت الطبع بعنوان " دعاة وقضاة " ولم أجده في موقعك .. أم أنك تقصد كتابك " دعاة أم طغاة " ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. التقية واردة وثابتة بحق العلماء .. والأخذ بالعزيمة أولى بحقهم وأفضل .. والأمة لا يجوز أن تجتمع على التقية .. أو افتراض جواز اجتماعها على التقية .. إذ لا بد من فئة تنفر لإظهار الحق وبيانه .. وهذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تجتمع أمتي على ضلالة ". وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ..".
والمراد من قول الإمام أحمد رحمه الله:" إذا العالم أخذ بالتقية فمتى يظهر الحق " على اعتبار لا يوجد غيره يُظهر الحق .. لذلك لما أخذ العلماء ـ كالشافعي ويحيى بن معين وغيرهما ـ بالتقية في فتنة القرآن خشية السيف .. ولم يبق في الميدان إلا شيخ السنة الإمام أحمد .. وجد نفسه ملزماً بأن يأخذ بالعزيمة .. ويصدع بالحق .. ويصبر على البلاء والأذى مهما كان شديداً! 
لذا لو قدر أن نازلة نزلت في الأمة .. أو في بلدٍ أو قطر .. ولا يوجد في هذا القطر إلا عالم واحد يبين الحق فيما نزل في الأمة .. يتعين عليه بيان الحق .. ولا يجوز في حقه التقية .. للدليلين الآنفي الذكر .. وغيرها من الأدلة، والله تعالى أعلم.
للتقية شروط وضوابط .. لا بد لمن يأخذ فيها أن يكون مستوفياً لهذه الشروط والضوابط:
منها: أن يكون ساكناً بين أظهرهم .. لا يستطيع الهجرة أو النفاد من سلطانهم ودولتهم.
ومنها: أن يكون الخطر عليه وعلى أهله محققاً إن لم يأخذ بالتقية.
ومنها: أن تكون التقية باللسان .. وبالقدر الذي يدفع عنه أذى القوم وشرهم .. أي لا يجوز له أن يتوسع في التقية أو الكلام من غير ضرورة .. وأكثر مما هو مطلوب!
ومنها: أن لا يُعينهم على مسلم .. بقول أو فعل .. إذ حرمة المسلم كحرمته فلا يجوز له أن يفدي نفسه بأخيه ..!
ومنها: أن يُضمر لهم العداوة في القلب .. إذ القلب لا سلطان لمخلوق عليه.
ومنها: أن يتبع أسلوب المعاريض ما استطاع لذلك سبيلاً .. كأن يُسأل: هل تُحب الرئيس الأسد ..؟! فيقول: نعم، أحب الأسد؛ ويقصد الأسد الحيوان .. ونحو ذلك .. لكن إن عجز عن الإتيان بالمعاريض فلا حرج عليه إن شاء الله. 
بهذه الشروط والضوابط يجوز العمل بالتقية .. وإلا فلا .. ومنه تعلم أن كتاب " دعاة لا قضاة " وكاتبه لا يجوز أن يُدرجا تحت عنوان وظروف التقية؛ لنه يُمثل عصارة فكر الرجل .. وفكر جماعة الإخوان .. فم لا يفتأون يتماجدون به .. في مناسبات عدة .. وعلى السنة قياداتهم! 
لا تعارض بين قوله تعالى:) فاصدع بما تؤمر ( وبين النصوص الأخرى التي تجيز التقية تحت ظروف الإكراه .. وبالضوابط والشروط الآنفة الذكر .. أقول: لا تعارض ـ ولله الحمد ـ بينهما، وبيان ذلك أن قوله تعالى:) فاصدع بما تؤمر ( المعني بها شخص النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ النبي لا تجوز بحقه التقية .. وهي رخصة لأمته وليست له .. ولو حملت الآية على عامة المسلمين وخاصتهم، فتكون حينئذٍ عامة مقيدة باستثناء حالة الإكراه والتقية .. وفق ما تقدم ذكره، والله تعالى أعلم. 
بالنسبة لكتابي " دعاة وقضاة " يختلف عن " دعاة أم طغاة " فالأول كتاب .. وهو من أوائل ما كتبت .. والآخر مقال لا يتعدى بضعة صفحات .. ولربما يخرج كتابي " دعاة وقضاة " بعنوان " مجموع الرسائل والمسائل " إذ كثير من المسائل والرسائل المنشورة لي .. قد أخذت منه .. وأصولها موجودة فيه .. والله المستعان.