كيفية إظهار الدين في دار الكفر أو في الدار المركبة



س1161: يا شيخنا حفظك الله .. عندي سؤال يؤرقني وأرجو منك الإجابة عليه: ما هو حد " إظهار الدين " المبيح للإقامة في دار الكفر أو في الدار المركبة ـ عند من يقول بها ـ هل هو كما ينقل عن بعض أئمة الدعوة النجدية: أنه بالتبري من الكافرين ـ الأنظمة الحاكمة ـ ومن كفرهم و إظهار العداوة والبغضاء لهم وأن يكون كل هذا معلنا غير مخفي بحيث يعلم النظام المرتد ذلك من المسلم, و إلا لا يكون المسلم مظهراً لدينه؟
وهل صحيح أن المسلم إن عجز عن ذلك وجب عليه الهجرة أو الإعداد للجهاد إن لم يكن هناك دار إسلام  .. وجزاك الله خيراً, وبارك في علمك؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. إظهار الدين يكون بالإعراب عن عقائد الإسلام الباطنة، وممارسة شعائره الظاهرة، في الزمان والمكان المناسبين لهذا الإعراب، من ذلك الكفر بالطاغوت؛ والكفر بالطاغوت منه ما يكون عاماً كأن يُقال: كفرت بكل ما يُعبد من دون الله ـ ورضي بذلك ـ وتبرأت منه ظاهراً وباطناً .. أو يُقال كفرنا بكم وبما تعبدون من دون الله .. وهذا القدر ميسر القيام به في كثير من الأمصار. ومنه ما يكون خاصاً ومعيناً كأن يُحدد اسم الطاغوت بعينه فيُقال: كفرنا بالطاغوت فلان ويذكر اسمه؛ وهذا أيضاً نوعان: نوع يسهل الصدع به وبيانه كأن تحدد اسم الطاغوت وتريد بذلك الشيطان، أو الأصنام، أو الأوثان، أو القبور والمشاهد التي تُعبد، أو حتى الدساتير والشرائع الوضعية المضاهية لشرع الله تعالى .. ونوع عليه تقريباً مدار الحرج والخلاف الذي يواجه غالب المسلمين في كثير من أمصارهم؛ وهو أن يُعلن البراء من الطاغوت ويُراد بذلك تحديداً شخص الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله .. المتسلط على البلاد والعباد .. وهذا النوع من الكفر بالطاغوت أيضاً قسمان: قسم منه يقتصر على الخواص، والأقارب، والزملاء فيتم تحذيرهم من الطاغوت الحاكم ومن نظامه وقانونه .. وهذا في الغالب يكون سهلاً .. وقسم منه يتم على الملأ وتتحقق فيه المجاهرة والمفاتحة على الملأ وفي وجه الطاغوت، وفي قصره، وبين حاشيته  .. والعلماء والدعاة الصداعين بالحق .. تتمايز صفوفهم عند هذه الجزئية، وهذا الحد؛ فمنهم المتقدم المغامر ومنهم المتأخر، وقد يكون لكل منهما اجتهاده المعتبر.
الذي أريد قوله: أن من لم يتمكن من الصدع على الملأ بالجزئية الأخيرة من الكفر بالطاغوت وفق الوصف المشار إليها أعلاه ـ لسبب أو لآخر ـ ثم هو يُظهر جميع ما تقدمت الإشارة إليه من الكفر بالطاغوت، وغير ذلك من شعائر الدين .. فهذا لا نستطيع أن نصنفه على أنه لم يكفر بالطاغوت، أو أنه لم يُظهر دينه أو أنه يُقيم في مكانٍ لا يستطيع أن يُظهر دينه .. كما يُحاول أن يصور البعض؛ فضيقوا الأرض ـ بما رحبت ـ على عباد الله!
ويُقال كذلك: إظهار الدين أمر نسبي يتفاوت من بلدٍ لآخر .. ومن دولة إلى أخرى .. وهو لا يتحقق كاملاً مائة بالمائة إلا في دولة الإسلام القائمة على العدل، والملتزمة بحكم الله عز وجل في جميع شؤون ومجالات الحياة .. والمطلوب من المسلم في ظل غياب دولة الإسلام ـ كما هو واقعنا المعاصر والمعايش وللأسف ـ أن يلتمس القطر أو البلد أو المكان الذي يستطيع أن يظهر فيه دينه ويعبد ربه، بصورة أفضل ما استطاع .. فمسعاه يكون نحو الأفضل وليس الكمال؛ لغياب دولة الإسلام كما تقدمت الإشارة .. فإن لم يجد الكمال ـ ولن يجده في هذا الزمن على المدى المنظور ـ فليلتمس المكان الذي يتقي الله فيه ما استطاع، فإن فعل لا حرج عليه بعد ذلك ما عجز عن تحقيقه؛ لقوله تعالى:) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن:16.وقوله تعالى:) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا (البقرة:286.