صدام حسين -رحمه الله-

س1166: يستدلون بأن صدام كافر بما يلي: أن اليقين لا يزول بالشك، والمتيقن هو كفره، وثانياً عدم إعلان صدام التوبة من البعث .. أرجو من فضيلتك الرد على هاتين الشبهتين للحاجة لهما، وجزاكم الله خيراً؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. يُرد على الاعتراضين أو الشبهتين الآنفتي الذكر في السؤال، من أوجه:

منها: أن المتيقن في مسألتنا الإسلام وليس العكس؛ فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من صلى صلاتنات واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله " البخاري. وقد عُرفت هذه الصفات عن الرجل الوارد بحقه السؤال بصورة يقينية لا تقبل الشك، وزاد عليها أنه ختم له بـ " لا إله إلا الله "، في ظروف إرهابية لا يُلهمها في تلك الأجواء إلا من وفقه الله تعالى وسدده، وثبته.
ومنها: قد دلت النصوص الشرعية أن من يأتي بكلمات أو عبارات متشابهة تدل على إسلامه .. يجب التوقف عن تكفيره، وانتهاك حرماته، والتعامل معه ككافر محارب، كالسبب الذي نزل فيه قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء:94. وهذا الرجل الذي عاتب الخالق سبحانه وتعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يزد عن كونه ألقى عليهم السلام الإسلامي " السلام عليكم "، فأين المحكم والمتشابه هنا؟!
وكذلك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قتل في أجواء القتال والحرب من قال " لا إله إلا الله "؛ علماً أن قائلها قالها في أجواء متشابهة ومريبة .. تحتمل الظن أنه ما قالها إلا فرقاً من السيف .. وهذا الذي حمل أسامة على قتله .. ومع ذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة صنيعه أشد الإنكار، ولم يقبل عذره!
ونحو ذلك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد لما قتل أولئك النفر الذين قالوا " صبأنا " فلم يُحسنوا أن يقولوا أسلمنا .. فتبرأ من صنيعه، وأمر بدفع دية من قتلهم .. وهم لم يقولوا سوى عبارة " صبأنا " فقط .. فأين المحكم من المتشابه هنا!
وكذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي المقداد بن الأسود من أن يقتل الرجل الذي يقول في أجواء الحرب والقتال مجرد كلمة " أسلمت لله "، وإن كان هذا الرجل قبل ذلك قد قطع يد الصحابي ثم لاذ منه بشجرة فقال عبارته تلك .. فالموقف متشابه وحمال أوجه .. ومع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم للمقداد بن الأسود:" لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال ".
والرجل ـ رحمه الله ـ المختلف عليه: لم يقل أو يعرف عنه فقط أنه قال صبأنا .. أو أنه مجرد ألقى السلام .. أو أنه قال أسلمت لله .. بل زاد على ذلك من القرائن المحكمة ـ كالصلاة، والتحريض على جهاد الغزاة، وإعدامه على يد أعداء الأمة بعد أن قال الشهادتين ورددهما أكثر من مرة ـ ما يستدعي التوقف عن تكفيره والحكم له بالإسلام.
ومنها: تشديد الإسلام على حرمات المسلم من أن تتعرض لأدنى انتهاك بغير حق .. والتي تقتضي توسيع التأويل وساحة الأعذار ما أمكن .. ودرء الحدود بالشبهات .. كما دلت السنة على ذلك.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة ".
وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً ".
ومنها: أن شهادة التوحيد التي خُتم له بها هي ذاتها إعلان توبة عامة؛ لأن من معاني شهادة التوحيد التبرؤ والانخلاع من كل ما هو كفر وشرك .. فإن أضيف إلى ذلك اعتزازه بالإسلام .. وجهاده للغزاة الصليبيين وعملائهم الروافض .. والصلاة .. واعتزازه بكتاب الله تعالى .. وحمله لكتاب الله في مجالس محاكمته الهزيلة، وإلى حبل المشنقة .. وإكثاره من ذكر الله عز وجل والمصطلحات الإسلامية الإيمانية في خطاباته .. وابتعاده طيلة اعتقاله عن اعتداده بحزب البعث .. وما نقله العدول عن العقد الأخير من حياته، وتوجهه نحو التدين وأسلمت نظامه .. إضافة إلا كون سجنه لسنوات بيد العدو الذي لا يسمح أن يُعرف عن الرجل إلا ما يريده ويخدم سياسته .. وحسن الخاتمة .. وغير ذلك من القرائن .. كلها بعضها مع بعض ألا ترقى إلى درجة التوبة التي تستدعي منا التوقف عن تكفيره والحكم عليه بالإسلام؟!
من جهتنا نقول: نعم؛ هي ترقى إلى درجة التوبة التي تمنعنا من تكفيره وتلزمنا بالحكم عليه بالإسلام .. أما غيرنا ـ ممن يحلو لهم أن يضيقوا رحمة الله على عباده ـ فلهم أن يعتقدوا في الرجل ما شاؤوا .. لكن عليهم أن يتجهزوا للسؤال يوم القيامة!
ومنها: نقول لمن يشترط لتوبة المرتد إعلان التوبة وما كان منه من كفر: هذا المرتد يعترف ويقر ويعلن لمن .. للحاكم المسلم الذي يستتيبه .. وهذا غير موجود ولا متحقق في مسألتنا .. وإن قال الاعتراف يكون لعامة المسلمين وخاصتهم بملايينهم .. فما الدليل عليه .. فالزعم يسير .. لكن اثبات الدليل هو العسير!
وإن قال: يجب أن يأتي إلى شيخ من الشيوخ ويعترف له بذنوبه .. ومن ثم يمنحه حق التوبة والمغفرة ..  فهذه صكوك غفران من هدي المشعوذين النصارى؛ فالمذنب منهم لا تقبل توبته إلا بعد الاعتراف والإقرار أمام قس الكنيسة .. ونربأ بأنفسنا وإخواننا من هذا القول!
ويُقال كذلك: ليس كل مرتد يُقرر بجميع ذنوبه .. ومن ثم يُلزم بأن يُعلِن البراء منها على الملأ، ويكون ذلك شرطاً لتوبته وعودته .. فهذا لم يحصل في عهد السلف .. وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ألزم المرتدين في عصره بعبارات تنم عن خضوعهم وإذلالهم للحق .. ولم يُعرف عنه أنه استنطق كل واحد من التائبين بالقول بأن الزكاة واجبة .. أو نحو ذلك .. وإنما اكتفى منهم بالخضوع الظاهر .. ودفع الزكاة .. ومن بقي على جحوده للزكاة فهذا منافق .. فأمره إلى الله!
ونقول كذلك: أن نصوص الشريعة ـ وبخاصة في زمان غياب دولة الإسلام .. وغياب تطبيق الحدود الشرعية ـ تلزم  بأن يستر المرء نفسه .. فلا يفضح نفسه .. فتكون التوبة بينه وبين ربه .. فليس كل ذنب ـ حتى ولو كان كفراً ـ ينبغي على صاحبه أن يُعلن توبته منه على الملأ .. ويُخبر الناس بما كان منه من ذنوب وكفريات ..  وعلى وجه التفصيل أو الإجمال .. وأنه قد فعل كذا وكذا وهاهو الآن يتوب مما قد فعل .. فهذا إن استحسن في بعض الموارد والمواضع أو وجب إلا أنه لا يُعتبر شرطاً على الإطلاق!
ونقول كذلك: يوجد فرق بين شروط التوبة عند العباد .. وبين شروط قبولها عند رب العباد .. والتفصيل يطول!
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى:) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة:160.
أقول: هذه الآية وردت في معرض الحديث عن علماء السوء الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والآيات .. فهؤلاء توبتهم يُشترط لها الإقلاع عن الكتمان .. وبيان ما كانوا قد كتموه من الحق .. وبخاصة إن كان هذا الذي كتموه لا يُعرف إلا من جهتهم .. والله تعالى أعلم.
ولكي تفهم موقفنا بصورة متكاملة وواضحة أكثر مما تم السؤال عنه .. لا بد لك من أن تضم كلامنها هنا إلى ما قلناه عن الرجل رحمه الله في مقالنا " فصل الكلام في الحكم على صدام " و " الموقف من صدام حسين والحكم عليه ".
بهذه الأوجه مجتمعة نرد على ما ورد السؤال عنه في السؤال أعلاه .. والله تعالى أعلم.