الشهيد

س1191: شيخنا الفاضل .. أود أن أضبط مسألة علمية من المسائل المتعلقة بالأسماء والأحكام .. علَّكم ـ إن شاء الله ـ تحققون مرادنا فيها .. والله تعالى الموفق.
ذكرتم خلال حواركم المفتوح مع أعضاء منتدى الأنصار في السؤال ذي الرقم (189) أن استعمال كلمة شهيد على فلان من الناس هو من باب إطلاق الحكم عليه بأنه من أهل الجنة .. فقلتم:" الحكم على المعين بأنه شهيد، كالحكم عليه بأنه من أهل الجنة .. وهذا من التألي على الله بغير علم .. لذا لا بد من الاستثناء " .. ألا ترون أن هذا الأمر ليس كذلك دوماً، وأنه قد يكون من باب إطلاق الأسماء الدنيوية التي يترتب عليها  عدد من الأحكام الدنيوية؟

فهناك فرق بين الأسماء الدنيوية ـ التي تبنى على الظاهر ـ والأحكام ـ الدنيوية ـ المترتبة عليها، كإطلاق اسم "مسلم" على فلان من الناس بناء على ظاهره، وما سيترتب على هذه التسمية من أحكام دنيوية .. كالتولي .. والنصرة .. وحرمة الدم مثلا .. وبين الأسماء الأخروية ـ التي لا يعلمها إلا الله ـ والأحكام ـ الأخروية ـ المتفرعة عنها، والتي لا تُعلم إلا في الآخرة.
وبالتالي .. فإن إطلاق اسم "الشهيد" على فلان من الناس قد يكون من باب إطلاق الاسم الدنيوي الذي يترتب عليه عدد من الأمور والأحكام .. كعدم تغسيله .. وعدم وجوب الصلاة عليه .. وليس من باب إطلاق الحكم الأخروي عليه، وإلا .. فكيف نكفنه بثيابه .. ولا نغسله .. ولا نصلي عليه .. إن لم نحكم عليه ابتداء ـ حكما دنيوياً ـ بأنه شهيد؟
ودليل ذلك .. ما رواه مسلم في صحيحه، حيث قال: "عن ابن عباس، قال: حدثني عمر، قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا ابن الخطاب! اذهب فناد في الناس: أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثاً "، قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، ثلاثاً".
فإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على قولهم الأول" فلان شهيد، فلان شهيد" دليل أنه ليس فيه شيء من الجزم بالحكم الأخروي .. الغيبي .. المجهول .. الذي لا يعلمه إلا الله .. وأما إنكاره قولهم الثاني فلأنه علم صلى الله عليه وسلم حكمه في الآخرة، وبالتالي النهي عن إطلاق كلمة شهيد هنا منوط بالعلة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم .. والتي لها علاقة بالحكم الأخروي، وليس بالحكم الدنيوي.
وبالتالي، فليس كل إطلاق لكلمة شهيد يعني الجزم بالحكم الأخروي، وإنما قد يكون من باب توصيف المسمى بالوصف الشرعي المترتب عليه ما ذكرنا من الأحكام الدنيوية.
وأما ترجمة البخاري لباب "لا يقول فلان شهيد " فلعله من هذا القبيل، حيث ذكر حديث قاتل نفسه في الحرب، وأنه من أهل النار، أي أن المراد ليس النهي عن إطلاق الاسم الدنيوي، وإنما المراد هو النهي عن إطلاق الحكم الأخروي.
فما قول شيخنا بهذا التفصيل: يجوز إطلاق اسم الشهيد على فلان من الناس ـ من دون استثناء ـ إن كان على وجه التوصيف الدنيوي .. كإطلاق لفظة مسلم .. أو إمام .. أو خليفة .. أو زوج .. على معين .. لتعلق بعض الأحكام الدنيوية بهذه المسميات .. وفي المقابل لا يجوز ذلك إن كان المراد منه الجزم بالحكم الأخروي"؟ وأن مقولة" الحكم على المعين بأنه شهيد، كالحكم عليه بأنه من أهل الجنة .. وهذا من التألي على الله بغير علم " تحتاج للتفصيل الآنف الذكر .. ودمتم برعاية الله وحفظه .. وجزاكم عنا كل خير؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. كلمة شهيد على الإطلاق من دون تقييد أو تخصيص .. كأن تقول:  فلان شهيد .. يعني شرعاً ولغة أنه شهيد الدنيا والآخرة؛  تُجرى عليه أحكام الآخرة والدنيا كشهيد .. ولو راجعت كلمة " شهيد " ومشتقاتها في الكتاب والسنة فهي لا تخرج عن هذا المعنى وهذا المراد ..  أما إذا أردت من كلمة شهيد الأحكام الدنيوية وحسب .. فينبغي أن تقيد وتُضيف فتقول: تُجرى عليه أحكام الشهيد في الدنيا؛ فلا يُغسل ولا يُصلى عليه .. وما ذكرته من أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصحابه يقولون أن فلاناً شهيداً ولم ينكر عليهم .. فهم يُريدون الشهيد؛ أي أنه من أهل الجنة .. وله أجر الشهادة .. والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك؛ لأنه علم عن طريق الوحي بأنه كذلك .. ولما قالوا عن شخص آخر لا يستحق هذا الإطلاق أو الحكم أنكر عليهم استخدامهم لهذا الحكم أو الإطلاق .. وبوحي كذلك .. وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ليس لأحدٍ بعده .. ونحو الحديث الذي ذكرت قوله صلى الله عليه وسلم عن الجنازة التي أثنى عليها الصحابة خيراً .. فقال صلى الله عليه وسلم:" وجبت .. وجبت "؛ أي وجبت له الجنة .. وعلى وجه الجزم .. وكذلك كل من أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه أنه من أهل الجنة أو أنه شهيد .. فهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى .. وهذه الخاصية ليست لأحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. لذا لا بد من التعليق والاستثناء عند الحكم على معين بأنه شهيد فتقول: نرجو أن يكون شهيداً .. إن شاء الله هو شهيد .. وجبت له الجنة إن شاء الله .. وهكذا .. والله تعالى أعلم.