تقليد العلماء



س1159: شيخنا حفظك الله .. من طلبة العلم في السعودية من يجادل عن الشرطة والأجهزة الأمنية السعودية وغيرهم من العسكر .. وينفي عنهم صفة طائفة كفر وردة .. بحجة أن من علماء المسلمين كالشيخين ابن باز، وابن عثيمين وغيرهما لم يحكموا عليهم بهذا الحكم .. وأن هؤلاء العسكر يتبعون فتاوى هؤلاء العلماء .. فلو أفتوهم بكفر النظام وبوجوب الخروج عليه .. لأطاعوهم في ذلك .. فهم يدورون مع العلماء وفتاويهم .. فكيف بعد ذلك نصفهم بأنهم طائفة كفر وردة .. وهم عندما يُدافعون عن النظام الحاكم يعتقدون أنهم يتقربون إلى الله بذلك؛ لأنهم بذلك يطيعون ويتبعون العلماء قبل غيرهم؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين. للحكم على تجمع من التجمعات بحكم ما .. مرده إلى الصفات التي يتصف بها هذا التجمع .. والغايات التي وجد ويعمل لأجلها .. وحكم الشرع ـ المتمثل بقال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في تلك الصفات والغايات .. وحكم التجمع أو الطائفة التي تتصف بتلك الصفات وتعمل من أجل تلك الغايات .. بذا يُعرف الحكم .. ويُعرف الحق من الباطل وليس بشيء سواه.
اتباع وتقليد بعض أهل العلم ـ تعصباً لهم ولأسمائهم ـ فيما أخطأوا فيه وخالفوا فيه الحكم الشرعي .. مع علم المتبعين المقلدين أن هؤلاء العلماء قد أخطأوا وخالفوا الحق .. ومع ذلك يتبعوهم فيما أخطأوا فيه .. فحينئذٍ يُحمل عليهم ما قيل في أهل الكتاب من قبل:) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (التوبة:31. وذلك عندما أطاعوا الأحبار والرهبان واتبعوهم في الخطأ .. مع علمهم أنهم قد وقعوا في الخطأ.
أعجب لبعض طلاب العلم .. الذين ينسبون أنفسهم للسلف والسلفية، وللحديث والسنة والأثر .. والمنهج السلفي في التلقي .. حيث تراهم في مسائل الصلاة والعبادات الأخرى كالحج والصوم وغيرها .. يناقشون ويحللون دقائق الأمور، ويردون كلام كبار علماء الأمة .. بحجة أنها تخالف النص، أو أنها لا توافق النص من الكتاب أو السنة .. وأن هؤلاء العلماء قد أخطأوا .. وكل يؤخذ منه ويُرد عليه عدا النبي صلى الله عليه وسلم .. وإذا جيئ بهم إلى ساحة طواغيت الحكم والظلم والكفر .. وطُلب منهم النظر في أحوالهم وأفعالهم .. وأحوال أنظمتهم الفاسدة العميلة وأثرها على الأمة .. عَمُوا وصَمُّوا .. وعطلوا عقولهم وتفكيرهم .. وأعموا بصرهم وبصائرهم .. وتحولوا من سلفيين أثريين إلى خلفيين صوفيين مقلدين .. وقالوا لك: مهما ساءت أحوال الأنظمة الحاكمة الفاسدة ـ بعد وفاة الشيوخ المشار إليهم في السؤال ـ  نحن على مذهب الشيخ فلان وفلان، وفلان وعلى قولهم في هذا الجانب لا نحيد عنهم وعن قولهم قيد أنملة؟!!
أما كونهم يعتقدون أنهم يتقربون إلى الله بحمايتهم للنظام الحاكم .. وأنهم ما أرادوا من فعلهم هذا إلا الخير؟
أقول: كم من مريد للخير لا يُدركه .. فأهل البدع والأهواء كلهم إذ يُقاتلون عن بدعهم وأهوائهم وطواغيتهم .. فهم يحسبون أنفسهم أنهم ممن يُحسنون صنعاً، وأنهم بفعلهم هذا يتقربون إلى الله!
أيما عبادة أو عمل لا يُقبل إلا بشرطين: أن يكون خالصاً لله عز وجل، وأن يكون موافقاً للسنة والحق، كما قال تعالى:) فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (الكهف:110. فإن اختل شرط منهما رُد العمل ولا بد.
وعليه فنقول: على افتراض حصول إخلاص الجند وإرادة تقربهم إلى الله بخدمتهم للنظام الحاكم .. فهل حققوا في عملهم وخدمتهم .. شرط المتابعة والموافقة للسنة والحق؟!
في الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ليأتينَّ عليكم أمراء يقربون شرارَ الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم، فلا يكوننَّ عريفاً و لا شرطياً و لا جابياً و لا خازناً ". هذا فيمن يؤخر الصلاة عن مواقيتها ويقربون إليهم شرار الناس فقط .. فكيف إذا ضم إلى ذلك مظاهرة الكافرين على المسلمين .. وأنواع أخرى من الكفر والمروق والظلم والفسوق والفساد .. لا شك أن اعتزاله يكون من باب أولى وأوكد .. هذه هي السنة .. وهذا هو حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأين الجند الذين ينشدون التقرب إلى الله بخدمتهم للطاغوت ونظامه .. من هذا الحديث وغيره العشرات من الأحاديث ذات العلاقة بالموضوع لو أردنا بسطها وذكرها؟!
هنا مكمن الخلاف والنزاع .. الكل يدعي وصل الحق .. وأنه على الحق .. وبقية الحق في الأرض بلا منازع .. ولكن هل كلهم قد حققوا فيما يزعمون شرط المتابعة للسنة والشريعة والحق .. أم أنهم ممن قال تعالى فيهم:) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (الكهف:104.  
أعود فأقول: موقف العلماء الخاطئ الوارد ذكرهم في السؤال من النظام السعودي وعسكره .. هو من جملة الأسباب التي تحملنا على التأويل لأفراد هذا العسكر .. وأن لا نحمل عليهم بأعيانهم حكم الكفر والردة ... إلا بعد قيام الحجة عليهم بتحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه .. فموقف العلماء الآنف الذكر يؤثر على الحكم على الأفراد بأعيانهم .. وهو معتبر عند تصدِّر الحكم على الأفراد .. لكنه لا يجوز أن يؤثر على الحكم على النظام بشكل عام .. المتلبس بالكفر البواح من أوجه عدة .. وبشكل صريح لا خفاء فيه .. كما بينا ذلك في أكثر من موضع .. لو راجعتها.