س1199: شيخنا الفاضل .. ذكر دعيٌ من أتباع جهم بن صفوان ـ يدعى أبو نور
بن حسن الكردي ـ في كتابٍ له لا يساوي نصاب الزكاة من الحبر الذي كتبه به،
سماه "شحذ النصال في الرد على أهل الضلال" وهو عبارة عن حوار معكم حول كتاب
الطاغوت، ذكر أنكم تبترون نصوص العلماء وتلوون أعناقها لتخدم منهجكم الضال، وذكر مثالين على
ذلك:
الأول: قال فيه
مشيراً إلى شرح ابن كثير رحمه الله للآية 50 من سورة المائدة:" فما قاله ابن كثير في آخر كلامه: ( فمن فعل ذلك [منهم ] فهو كافر ) وهذا يعني
أنه يقصد التتار ومن كان مثلهم في الجحود والاستحلال، ومن تلبس بنواقض الإسلام "،
ثم قال في الهامش:" ولكن أبا بصير حذف كلمة ( منهم ) كما هو حاله وحال من على
شاكلته في التدليس وبتر النصوص، انظر الطاغوت (ص:84)"، وذلك تحت باب (فصل القول فيمن
يحكم بغير ما أنزل الله).
السؤال: حتى لو تم إثبات الكلمة، فما
الفرق بين المعنيين؟ وأين مكمن الاختراع العظيم الذي أفرح هذا المرجئ؟
ثم ماذا تعني المعكوفتان [ ] اللتان تحويان الكلمة المذكورة والموجودتان في تفسير ابن كثير طباعة مؤسسة
قرطبة الطبعة الأولى ص251؟
الثاني: قال في معرض نقله لكلام ابن
تيمية من منهاج السنة (5/130):" ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات
الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله
فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا
جهالاً كمن تقدم أمرهم "، ثم يعلق:" وقد نقل هذا (الهدام) كلام شيخ
الإسلام في (ص:88)، ولكنه بتره، ـ كما هو دأبهم ـ وحذف بعض كلماته ـ كما هي شيمتهم ـ التي لو أثبتها
لهدم ما بناه، إذ حذف منه هذه الكلمة الفاصلة ( وإلا كانوا جهالاً ) ولا شك أن هذا
النص فاصل، حيث إن شيخ الإسلام لم يكفر إلا من استحل الحكم بغير ما أنزل الله".
السؤال: الجملة المعطوفة (وإلا كانوا جهالاً) أليست معطوفة على ( إذا عرفوا .. )؟
فأين الهدم والتحطيم في كلام الكردي؟ أليس مقصود شيخ الإسلام بهذه الجملة هو
العذر بالجهل، وأن ذاك المتفيقه يناقش مسألة أخرى بعيدة كل البعد عما قصده الشيخ،
وهي مسألة الاستحلال؟
وبعد .. أطلب من شيخي الحبيب ـ شاكراً
له ـ أن يوسع صدره قليلا لمثل هذه الأسئلة المنغصة حقيقة، إلا أن المراد منها تعلم المنهجية في
كيفية الرد على شبهات هؤلاء الناس .. مع أني أعاهد نفسي كل مرة ألا أقرأ لهم ..
ولا ألتفت لكتاباتهم وأكاذيبهم .. إلا أن الصخب والضجيج الذي يحدثونه ترويجاً
لمؤلفاتهم تجعلني مندفعاً لمطالعة بضاعتهم، فلا ألبث أن أجدها كاسدة .. فاسدة ..
مزجاة، ولا حول ولا قوة بالله؟!
الجواب: الحمد
لله رب العالمين. لا زال عجبي يزداد من تحامل القوم علينا وعلى منهجنا .. وجرأتهم
على الكذب والتلفيق علينا ونحن أحياء .. انتصاراً للطواغيت الظالمين وجدالاً عنهم
.. من الأمثلة على ذلك .. وممن انضمَّ إلى قافلة الكذابين المتحاملين المغرضين ..
الوضَّاعين .. هذا المسمى " الكردي "؛ الذي طار في الأمصار فرحاً بما
حسبه رداً وتعقيباً علينا في كتابنا الطاغوت!
غاظه ومن معه من أهل
التجهم والإرجاء حديثي في كتاب " الطاغوت "، عن الطواغيت الآثمين من
أولياء أمورهم .. وتعريتنا لهم .. وفق هدي الكتاب والسنة .. ولما لم يجد في الصدق
سبيلاً للذود عن الطواغيت ـ من أولياء أمورهم ـ
ورد ما جاء في الكتاب من حق .. التجأ إلى حيلة الكذب والتلبيس .. وهي حيلة
كل مفلس رخيص.
أصارحك القول أن رده
على كتابي " الطاغوت " قد وصلني منذ أكثر من سنة .. لكن لشدة ظلم وتحامل
وكذب وجهل صاحبه علينا وعلى منهجنا لم أتمكن من قراءة إلا القليل مما سوده هذا
الرجل وأتعب نفسه فيه .. وظن أنه قد أتى بقاصمة الظهر .. وهو كمن يظن بالسراب ماءً
.. لعلمه أن من الناس من قد يقع في شباك تلبيسه .. وأنهم ليسوا سواء في التحري
والسؤال والبحث عن الحق!
من الأمثلة الدالة
على ذلك ما نقلته ـ يا أخانا الكريم ـ عن هذا الرجل ومن رده الموسوم بـ "
النصال "، ولعلك ـ فيما نقلته لنا ـ أتيت أو اقتطعت أقوى ما أخذه علينا وعلى
كتابنا .. وأشكل عليك الأمر والتوفيق، حتى كدت أن تصدقه .. وتظن السوء بأخيك ..
وأنت الأخ المعروف بسعة اطلاعه وبحثه .. واعتدال منهجه .. ولا ألومك؛ لأنك تواضعت
ـ مشكوراً ـ فسألت!
المثال الأول: زعمه
عني أنني حذفت كلمة " منهم " في نقلي عن ابن كثير قوله:" فمن فعل
ذلك فهو كافر "؛ فزعم هذا المسمى بالكردي أن الصواب " فمن فعل ذلك منهم فهو كافر
"، فتعمدت حذف كلمة " منهم " .. مما حمل الرجل على أن يرمينا
بالتدليس وبتر النصوص!
وعند مراجعة كتاب
تفسير ابن كثير الذي في حوزتي، 2/70، طباعة ونشر دار المعارف، بيروت لبنان، الطبعة
الثانية 1407 هـ. 1987 م، وقد قدم له الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي .. لم أجد
كلمة " منهم " مما دل أن نقلي صحيح ومضبوط لا غبار عليه .. ولله الحمد.
وزيادة في التثبت قد
راجعت نسخة الشيخ المحقق أحمد شاكر " مختصر تفسير ابن كثير، المسمى عمدة التفسير عند الحافظ ابن كثير "،
1/696، طباعة ونشر دار الوفاء، الطبعة الأولى لسنة 1424 هـ. 2003 م. أيضاً لم أجد
كلمة " منهم " المثار حولها الشغب .. ومعلوم عن الشيخ شاكر رحمه الله
دقته في التحقيق وضبط النصوص .. مما رجح لدي الظن أن هذه الكلمة مُقحمة ومُضافة ـ
من قبل أهل التجهم والإرجاء والأهواء الذين عُرفوا بجدالهم عن طواغيت الحكم والظلم
ـ على الكتاب .. وأنها ليست من كلام ابن كثير .. يؤكد ذلك وضع الكلمة بين معكوفتين
[ ] كما ورد في سؤالك، مما يدل على أنها مقحمة على الأصل .. وأنها ليست منه ..
وهذا معناه أن القوم ـ لما عجزوا بالعلم والحجة أن يُدافعوا عن طواغيت الحكم ـ قد
لجؤوا إلى تحريف كتب التراث العلمية الموروثة عن أهل العلم المعتبرين .. وإضافة
عليها ما ليس فيها .. وهذا يتنافى مع أدنى معاني الأمانة .. وهو يستدعي من القارئ
ـ استبراء لدينه ـ الحذر والنظر في الجهة التي تُشرف على طباعة وتحقيق الكتب
التراثية القديمة .. هل يمتون إلى مذهب الإرجاء في شيء أم لا؟!
ثم كلمة " منهم
" .. تفيد أن من يفعل فعل وكفر التتار منا .. لا يكفر كما يكفر تتار المغول
.. فأبناء جلدتنا .. وتتار بني جلدتنا لهم كل حلوة .. حتى لو فعلوا فعل التتار
وزيادة .. أما تتار المغول فلهم وحدهم كل مرة .. ووحدهم الذين يكفرون .. وحاشى ابن
كثير رحمه الله أن يكون قصد هذا المعنى أو أضاف كلمة " منهم " التي
تُفيد هذا المعنى!!
فإن علمت ذلك يا أخي
.. علمت شدة ظلم هذا المسمى " بالكردي "، وعلمت من هو الذي يلبس على
الناس دينهم ويبتر نصوص أهل العلم!!
المثال الثاني: في
كتابي " الطاغوت " صفحة 88 قد عزوت نقلي عن ابن تيمية رحمه الله إلى
كتاب مجموعة التوحيد، صفحة 293 .. وهذا الذي لم يذكره المدلس " الكردي
"، وكلام ابن تيمية المنقول ـ والمثار عليه الشغب ـ قد اقتطعه ونقله الشيخ
" حمد بن علي بن عتيق النجدي " في رسالته المسماة " سبل النجاة
والفكاك من موالاة المرتدين والمشركين ". والشيخ حمد بن عتيق رحمه الله هو
الذي أوقف وأنهى اقتباسه من كلام ابن تيمية من دون أن يُضيف عبارة " وإلا
كانوا جهالاً كمن تقدم أمرهم "؛ أي أنهى اقتباسه من كلام ابن تيمية عند آخر كلمة
نقلتها عنه وهي " فهم كفار " انتهى الاقتباس .. والشيخ ابن عتيق لم يُضف
في رسالته ونقله .. هذه العبارة المثار حولها الشغب " وإلا كانوا جهالاً كمن
تقدم أمرهم " .. وأنا ناقل عن الشيخ ابن عتيق من دون زيادة ولا نقصان .. وهذا
يعني على قول " الكردي " أن الهدام المدلس البتار للنصوص هو الشيخ ابن
عتيق .. وليس أبا بصير الذي نقل عن ابن عتيق .. لكن لما كان " الكردي "
أجبن من أن يشير إلى ابن عتيق .. لعلمه أن للشيخ أحباب وأنصار في الجزيرة وغيرها
.. سيردون عليه ويكذبونه .. ويبينون له تفاهة استدراكه .. تجرأ على أبي بصير ورماه
بالمشين من القول لعلمه أن أبا بصير ليس له بواكي ولا أنصار .. وعِرضه سهل المنال
والطعن .. وعدوانه على أبي بصير سيلقى الترحيب عند أهل البدع والأهواء من أهل
التجهم والإرجاء وغيرهم .. لكن عند الله الملتقى!
وزيادة في التثبت
فقد راجعت نسخة ثانية لكتاب " مجموعة التوحيد " طبع ونشر مكتبة دار
البيان، تحقيق وتخريج بشير محمد عيون، راجعه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، 1/362 ..
فوجدت كذلك أن الشيخ ابن عتيق رحمه الله قد أنهى اقتباسه من كلام ابن تيمية رحمه
الله عند قوله " فهم كفار "، ومن دون أن يُضيف العبارة المثار حولها
الشغب " وإلا كانوا جهالاً كمن تقدم أمرهم "، وهذا يؤكد لي صحة ودقة ما
نقلت .. ولله الحمد والمنة والفضل.
فإن علمت ذلك ـ يا
أخي ـ علمت شدة ظلم هذا المسمى " بالكردي " وعلمت من هو الهدام .. ومن
هو المدلس الذي يبتر النصوص!!
ألم أقل لك ـ يا أخي
ـ من قبل أن القوم يكذبون علينا ونحن أحياء .. فكيف بعد أن نكون في عالم الأموات
.. ويوارينا التراب .. وأنهم لما عجزوا ـ وهذا من فضل الله علينا ورحمته بنا ـ أن
يجدوا مأخذاً يتكئون عليه في الطعن والتجريح بنا .. لجؤوا إلى الكذب .. لجؤوا إلى
حسناتنا ليحولوها بسحرهم وتلبيسهم إلى سيئات .. وليحولوا المحكم من كلامنا إلى
متشابه وحمال أوجه .. وما حملهم على فعل ذلك كله سوى الحقد والرغبة في الجدال عن
أئمة وطواغيت الحكم والكفر .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!